الحسد آفة اجتماعية خطيرة، والحسود مخلوق عاجز عن القيام بدور طليعي في المجتمع، وإنما كل همه الانشغال بالآخرين، وبما حققوا من نجاحات في مختلف النواحي، وقديماً قالوا: "الحسود لا يسود"، أما لماذا لا يسود فلأنه لا يحب الخير لغيره، والمسلم الحق هو من أحب لأخيه كما يحب لنفسه.
والطامة الكبرى أن الحسود لا يقف عن حد الثرثرة والكلام الفارغ، ولكن أحيانا كثيرة يمتلئ قلبه بالحقد والكراهية للآخرين ممن يحسدهم، ويسعى جاهداً إلى تشويه منجزاتهم وما حققوه بنصب الحيل والمكائد الخبيثة وهو لا يعلم أن من حفر حفرة لأخيه وقع فيها، تغطي عينيه غشاوة، وتختلج في نفسه أعمال السوء، وتنتابه حالة من الغليان الداخلي فيحرق نفسه بنفسه، ويسقط في الهوة التي أعدها لغيره، والإنسان الحسود ليس بالضرورة أن يحسدك على علم أو مال أو بنين، ولكن قد يتمزق قلبه غيظاً إذا رآك بصحة جيدة، أو بعلاقة أسرية متينة، أو حتى ترتدي زياً جميلاً، أو حتى للمسة وسامة أو جمال في هذا الرجل أو تلك المرأة.
والحسد ليس حالة شاذة في مجتمع من المجتمعات، ولكن كل الأمم والشعوب مصابة بمثل هذه الآفة التي تعشش في نفوس الضعفاء، والحسود شرير بكل ما تعني هذه الكلمة من مرارة وكراهية، وبالرغم من كل ذلك فهو يتلذذ بحسده ويتذوقه آناء الليل وأطراف النهار.
والحاسد عضو فاسد روحياً وأدبياً وأخلاقياً، فمن سمو الأخلاق ونبل المكارم ألا يكون الإنسان حسوداً، فالحسد دفع بقابيل إلى قتل أخيه هابيل والعياذ بالله، والحسد دفع بأخوة يوسف إلى إلقائه في الجب، وأتوا على قميصه بدم كذب مدعين أن الذئب أكل يوسف، بينما في حقيقة الأمر كانوا ينوون التخلص من أخيهم ليخلو لهم وجه أبيهم، وعلى أية حال الحسد لا يداخل إلا الضعفاء من البشر، والحسد لا يتجانس إلا مع النفوس الرديئة، والحساد عبر العصور أحرقوا ودمروا وتقلوا وعاثوا في الأرض فساداً، ولكي يموت الحاسد بغيظه ينبغي على المحسود دوما أن يواصل تألقه ونجاحه، ولكي يظل الحاسد معلقا بين السماء والأرض يجب أن لا يظهر له المرء إلا كل عزم وتصميم على تحقيق الإنجازات واحداً تلو الآخر، وكلما أدرت للحاسد ظهرك كلما شعر بالإحباط والانهيار النفسي، وإذا حللنا شخصية الحساد وجدنا أنها: شخصية مهزوزة ضعيفة، مترددة، عاجزة، أنانية، عدوانية، ناقصة، انتقامية، فاشلة ..الخ.
وحينما يكون الحاسد بمثل هذه الصفات كيف يمكننا أن نتعامل معه؟ لقد عانى التاريخ بأسره من تصرفات الحسدة، وعانت البشرية من بذاءة الحساد ونواياهم الخبيثة، وتعطلت كثير من المسيرات الخيرة بسبب حجر عثرة وضعه حسود في طريق تلك المسيرة التي قادها هذا أو ذاك، سواء أكانت تلك المسيرة علمية أم تجارية، اقتصادية أم سياسية، عامة أم خاصة، فلو أدرك الحاسد إلى أي مدى ينبذه المجتمع لأقلع عن عادته السيئة، ولو علم الحاسد كيف يحمل له الناس الكراهية لأسقط كل ذرة حسد من قلبه، ولو أن الحاسد يعي جيداً هذا المسلك غير المحبب لدى البشر لتجاوزه إلى مسلك حياتي آخر يحقق له حب الناس وتقديرهم. ولكنه وللأسف الشديد أن الحاسد يحب زوال نعمة الآخرين، فإذا كان هذا همه وشاغله فماذا نرجو من إنسان كهذا، !! وقديماً يقول الأجداد مثلاً شعبيا يشير إلى أن البعض لا يحسد الأحياء فقط ولكن حسده يلاحق الأموات، فمثلا يقولو: فلان محسود على موتة الجمعة!! وفعلاً البعض حتى على الموت لا يخلو من الحسد!
تباً للحاسد، وويل للحساد.. لو أدركوا أن المولى عز وجل أمرنا أن نتعوذ من الحاسد.. فقال جل شأنه: "قل أعوذ برب الفلق. من شر ما خلق، ومن شر غاسق إذا وقب. ومن شر النفاثات في العقد. ومن شر حاسد إذا حسد" (صدق الله العظيم).
فالحاسد إذا حسد، أتلف المال والولد، ودمر القرية والبلد، وتحول من بشر إلى أسد يفترس بحقده وغيظه وبغضائه كل إنسان يحقق النجاح والخير والتقدم والرقي في هذه الحياة.
هذا، وللحديث بقية..