الكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين، الكلمة الطيبة أصلها ثابت لا يتغير ولا يتبدل، عميقة جذورها في نفوس الناس تمتد فروعها إلى مختلف فئات المجتمع دون تمييز أو محاباة أو تحيز لجنس دون آخر.
الكلمة الطيبة تبقى خالدة في أذهان الآخرين بذكرى فواحة مفعمة بالمودة والمحبة والرحمة والاخاء، والتعامل مع الناس يجب أن يكون قائما على الكلمة الطيبة، ومرتكزا على الاحترام، ومستندا إلى التقدير المتبادل، والا ذهبت المودة بين بني البشر أدراج الرياح، وحلت محلها العداوة والبغضاء والضغينة في القلوب، وما أروع الكلمة الطيبة وهي تخرج منطلقة حرة من فم إنسان نبيل لا يبتغي من ورائها إلا احقاق الحق وإرضاء الله ورسوله والضمير، فكانت كلمته تلك سيدة الموقف التي لا يعلى عليها.
ما أجمل الكلمة الطيبة وهي ترسم البسمة على شفاء الآخرين وما ألطفها وأحسنها وهي تعيد ضالا إلى جادة الصواب وتهديه إلى سواء السبيل، الكلمة الطيبة تفوح رائحتها الزكية في كل وقت وفي كل حين، فينتشي بها كل المحبين للخير، الكلمة الطيبة تؤلف بين القلوب فتبرز المحاسن وتخفي العيوب، ويرى كل واحد منا الآخر في أحسن صورة، الكلمة الطيبة تبني سورا ومنزلا وعمارة، وتشق طريقاً وقناة توصلنا بالآخرين، الكلمة الطيبة تكون زوجا وتؤلف أسرة وتجمع عائلة وتخلق مجتمعا صالحاً.
الكلمة الطيبة تشكل عقداً مرصعاً باللآلئ متراصة حباته تلو الأخرى يسر الناظرين، الكلمة الطيبة تقيم جسراً وتضيء دربا وتزرع أرضا، الكلمة الطيبة تقود جيشا وتجمع شعبا وتوحد أمة ديننا الحنيف، وتعاليمه الكريمة تؤكد لنا مثل هذه الحقائق، أفليست تعاليم الإسلام تقول لنا أيها القوم إن من كان منكم فظا غليظ القلب فانه لن يجد أحدا يقف من حوله، بل سينفض عنه الناس ليظل بعد ذلك في عزلة اجتماعية، والانسان اجتماعي بطبعه كما يقول لنا العلامة ابن خلدون رحمه الله، ومن هنا فانه لا يستطيع أن يبقى وحديا في هذه الحياة الدنيا، بعيدا عن بني جنسيه، مما يملي عليه بالضرورة ان يتكيف تكيفا اجتماعيا سليما ينسجم مع العادات والتقاليد والقيم الاجتماعية، وذلك الانسجام وذاك التكيف لا يكون الا بالمعاملة الحسنة والكلمة الطيبة "وجادلهم بالتي هي أحسن" صدق الله العظيم.
ولكن من المؤسف حقا أن بعض الناس قد لا تكون الكلمة الطيبة مجدية أو نافعة بحقهم على الاطلاق، فمنهم إذا ما سمعوها ظنوها ضعفاً ممن تصدر منه، وأولئك الفئة من البشر يتنمرون على الكلمة الطيبة والمعاملة الحسنة ويتفرعنون على كل القيم والأصول، إلا أن أولئك القوم قلة في المجتمع "أي مجتمع" وهم لا يشكلون الا نفرا قليلا، وهؤلاء يجب أن نعذرهم ونعطف عليهم في الوقت نفسه، فالذات العليا او ما يسمى بالأنا في علم النفس تتحكم تحكما بليغا في اللاشعور لديهم، ويتسلط لدرجة تنسيهم معها كل شيء من حولهم، فلا يتذكرون الا أنفسهم ولا يذكرون الا الذات العليا دون غيرها.
هناك فئة من الناس لا تعرض ابدا الكلمة الطيبة.. لا تعرف إلا الكلمة الخبيثة، فئة فطرت على الحقد والكراهية، وجاءت إلى هذه الحياة الدنيا لتكون عنوانا للمكر والخبث والشر بكل أشكاله وأنواعه والوانه، فئة يتسابق أهلها جماعات وافرادا إلى ساحات الدسائس والمؤامرات ليحيكوا الشر لهذا ولينسجوا المؤامرة لذاك، وليحفروا حفرة لآخر، لا يهدأ لهم بال إلا إذا خرجت من أفواههم الكلمة الخبيثة التي تهدم دارا وتفرق أسرة وتمزق عائلة وتجرف مجتمعا إلى الهاوية، فئة لا تلوك السنتها الا الخبيث من الكلام هدفها ان تقتلع شجرة وتقطع زهرة وتسد طريقا وتطفئ نورا ليعيش بنو البشر في ظلام من امرهم، أولئك الناس لو انهم يدركون حلاوة الكلمة الطيبة في النفوس وطلاوتها على القلوب، لو انهم شموا عبق عبيرها الفواح، وعلموا معنى التسامح والسماح، وفطنوا الى مكامن الفوز والصلاح وانطلقوا في المدن والقرى والوديان والبطاح ينثرون الكلمة الطيبة مساء صباح، لأوقفوا في الجسد الاجتماعي كل الجراح.